هل هناك حقيقةً خلاف بين بايدن ونتنياهو؟


حيّان نيّوف

دأبت وسائل الإعلام “المرئية والمقروءة” الأميركية خصوصًا والغربية عمومًا على الترويج لخلافات حادة بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن والحكومة الإسرائيلية التي يرأسها بنيامين نتنياهو.

بدأت تلك البروباغندا بعد شهر تقريبًا من انطلاق عملية طوفان الأقصى وما تلاها من عدوان إسرائيلي وحشي على قطاع غزّة.

ومنذ ذلك الوقت تحوّل الحديث عن خلاف بين بايدن ونتنياهو إلى مادة إعلامية شبه يومية تناوبت وسائل الإعلام الأميركية والغربية على تناولها وتظهيرها، بينما تولت وسائل الإعلام العربية وخاصة المحسوبة على دول التطبيع إعادة نشر تلك الأخبار والمواد والترويج لها في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي.

ويمكن لنا بدايةً الإشارة إلى بعض التعابير والاصطلاحات التي استخدمتها وسائل الإعلام لتعزيز وتدعيم ما حاولت الترويج له بخصوص هذه القضية:

فمثلًا؛ استخدمت شبكة (إن بي سي نيوز) تعبير “خلافات متزايدة” بين بايدن ونتنياهو، بينما تحدثت صحيفة الغارديان البريطانية عن “توترات متصاعدة خلف الكواليس”، وبالمقابل استخدمت شبكة “سي إن إن” عبارة “توترات غير مسبوقة” بين الجانبين، ثمّ قالت صحيفة “ذا هيل” بأن البيت الأبيض أصبح ينتقد نتنياهو بشكل متزايد، وذهبت نيويورك تايمز للقول بأن الأجواء باتت مشحونة بين الجانبين، واستمرت تلك البروباغندا الإعلامية حتّى بداية شباط/فيراير حين لجأت وسائل الإعلام تلك وغيرها إلى استخدام تعبير مشترك وتحت عنوان واحد “بايدن محبط من نتنياهو”.

فهل من حقيقة لما تروّج له وسائل الإعلام تلك؟ وما هي خلفيات وأسباب تلك الحملة الإعلامية المنسّقة؟

لا يُخفى على أحد بأن المنظومة الإعلامية الغربية تتبع لمؤسسات وأجهزة استخبارات غربية، وتتبع من خلالها للدولة العميقة الحاكمة في كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا معًا، وليس خافيًا بأن الدولة العميقة التي تدير السياسات الأميركية خصوصًا والغربية عمومًا تتبنّى الكيان الصهيوني بالمطلق وتتولى حمايته واتّخاذ ما يلزم من قرارات لضمان تفوقه وهيمنته بما يحقق مصالح واشنطن والغرب الجماعي عمومًا وخدمة لمشاريعيهم الإقليمية والعالمية في منطقة تعدّ الأكثر أهمية للولايات المتحدة بما تمثله من جغرافيا سياسية واقتصادية وتجارية في قلب العالم.

استغلّت الدولة العميقة حقبة وجود ترامب في البيت الأبيض لفرض اتفاقات إبراهام من أجل دمج “إسرائيل” في المنطقة، ثمّ زيادة تسليحها بحجة تشجيعها على السلام، والهدف الحقيقي كان إنشاء محور إقليمي رُوّج له تحت مسمى “ناتو شرق أوسطي” بزعامة “إسرائيل” يتيح لواشنطن الانسحاب الهادئ من المنطقة والتفرغ لمواجهة خصومها “الصين وروسيا” في أوروبا وآسيا، بعد أن تضمن وضع الشرق الأوسط تحت هيمنة “إسرائيل”.

غير أن التحولات التي شهدها العالم في بداية ولاية بايدن وخاصة الحرب الأوكرانية والتمدد الصيني، ومشاريع النفوذ الصينية- الروسية عبر منظمات شنغهاي وبريكس ووعبر مشاريع الحزام والطريق الصيني والأوراسية الجديدة الروسية، وتلاقي تلك المشاريع في الشرق الأوسط في الجغرافيا الإيرانية، دفع واشنطن إلى إعادة حساباتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط لمواجهة تلك المشاريع.

وبدلًا من الانسحاب من المنطقة، وضعها الأميركي تحت العهدة الإسرائيلية، وعادت واشنطن إلى استراتيجية التثبيت والتوسع في الشرق الأوسط، وحرصت على استعادة عهدة قيادة المنطقة من “إسرائيل” وإبقائها بيدها، وهو ما دلت عليه خطوات أميركية عدة نذكر منها: الاتفاقية الدفاعية التي وقعتها واشنطن مع الأردن، ومشروع الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي، والضغط الأميركي لإنجاز التطبيع السعودي- الإسرائيلي.

جاءت عملية طوفان الأقصى لتكشف ما خفي من الاستراتيجية الأميركية الجديدة، ولتشكّل عاملًا شديد التأثير أسهم بعرقلة تلك الاستراتيجية، وهو ما دفع واشنطن مع اللحظات الأولى من طوفان الأقصى إلى المسارعة لتولي مسؤولية القيادة والقرار في المعركة الوحشية التي قادها الكيان الصهيوني ضدّ غزّة وأهلها وكذلك على مستوى الصراع الإقليمي، وهو ما شكّل فضيحة كبرى لإدارة بايدن التي وضعت نفسها في موقع المسؤول المباشر عن كلّ الجرائم المرتكبة في غزّة، من قتل وتدمير وحصار وتجويع.

هذه الفضيحة الأخلاقية لطخت وجه الولايات المتحدة وسمعتها على المستوى الإقليمي والدولي، وحتّى على المستوى الداخلي الشعبي وخاصة في صفوف المؤيدين لإدارة بايدن من شرائح المجتمع الأميركي ذوي الأصول العربية وغير العربية، وهو ما انعكس هبوطًا حادًا في شعبية الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن. ولذلك إدارة بايدن وبعد مرور شهر على الطوفان والعدوان الإجرامي الذي تلا غزّة وجدت نفسها مضطرة للتنصل من الوحشية المرتكبة وجرائم الإبادة الجماعية والتهجير، وكان لا بد لها من اصطناع بروباغندا إعلامية لتحقيق هذا التنصل.

هذه البروباغندا جاءت على صيغة اختلاق خلاف وهمي بين بايدن ونتنياهو وتحت عناوين إنسانية خادعة مثل رفض التهجير ودعوة نتنياهو للسماح بإدخال المساعدات ومطالبة الجيش الإسرائيلي بتجنب استهداف المدنيين، وإظهار الضغط على نتنياهو للقبول بدولة فلسطينية والقبول بهدنة إنسانية. كل ذلك كان لا بد له من إخراج مسرحي عبر الإعلام من خلال الادّعاء بأن بايدن على خلاف حاد مع نتنياهو، وأن نتنياهو هو المسؤول أولًا وآخرًا عن كلّ تلك الجرائم، ودليلهم على ذلك بأن نتنياهو لا يستجيب لدعوات بايدن وضغوطه عليه.

لا يحتاج المتابعون للعلاقة الأميركية – الإسرائيلية لكثير من الجهد لاكتشاف تلك الخديعة، ويكفي لكل عاقل أن ينظر لحقيقة الموقف الأميركي الذي ظهر عبر استخدام واشنطن للفيتو في مجلس الأمن الدولي أربع مرات لإسقاط مشاريع قرارات تدعو لوقف إطلاق النار، وكذلك استمرار تدفق السلاح والذخائر الأميركية جوًّا وبحرًا للكيان الصهيوني، وقرارات إدارة بايدن التي تضمنت مزيدًا من المساعدات لـ”إسرائيل” وآخرها بقيمة 14 مليار دولار، وكذلك عدم ممانعة واشنطن لاقتحام مدينة رفح.

وحقيقة الأمر بأن واشنطن ليست شريكة بالجرائم الإسراىيلية، بل هي المقرر والمخطّط والداعم، وفي بعض الأحيان هي المنفذ لها، وإن أي حديث عن خلاف بين بايدن ونتنياهو ليس سوى ذرّ للرماد في العيون، بل يمكن القول بأن نتنياهو ليس سوى ظلّ لحقيقة بايدن الشيطانية.

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *