التاريخ المظلم لنهر التايمز السيئ السُمعة


د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي.

للوهلة الأولى، وعند النظر في مياهه، قد يبدو لك نهر التايمز مثل أي مجرى مائي، يعبر ضواحي العاصمة البريطانية، أو مساحة للترفيه يلجأ إليها الناس للتفسح أو النزهة أو الجلوس على ضفافه بعيدًا عن صخب العمل ومشاكل الحياة اليومية.
لكن عند البحث والتدقيق تذهلك حقيقة تاريخه المظلم ـــ الذي يشبه سيرة بريطانيا الدموية ـــ وما تخفيه مياهه المتدفقة من أسرار وألغاز ما زالت مدفونة اسفله، مثلما حدث مؤخرا في شباط الماضي، عندما قامت الشرطة البريطانية بتفتيشه بحثًا عن رجل يدعى عبد اليزيدي، يشتبه في أنه هاجم أمًا وطفلين بمادة كيميائية – بعدما كان اختفى من فوق أحد الجسور – ليتفاجأ الناس هناك، بانتشال جثتين من الماء، والصدمة أن أيًا منهما لا تعود لذلك الرجل.
 وتؤكد الجثتان اللتان تم العثور عليهما التعقيدات التي لا تزال الشرطة تواجهها عندما يتعلق الأمر بالبحث عن – وتحديد هوية – أولئك الذين ينتهي بهم الأمر في نهر التايمز.

بماذا يمتاز نهار التايمز؟ ولماذا يوصف تاريخه بالمظلم؟
 في الحقيقة، يمر نهر التايمز، الذي يمتد لمسافة 200 ميل تقريبًا، عبر قلب مدينة لندن ويشكّل جزءًا أساسيًا من هويتها. ويشتهر هذا الممر المائي بالمباني القديمة التي تعبر فوقه الجسور التالية على سبيل المثال لا الحصر: البرج، لندن، وستمنستر، كما يعدّ وجهة مفضلة للسياح الذين يتوافدن على المطاعم والحانات والمعالم المنتشرة على طول مياهه الموحلة: عين لندن، وبيج بن ومبنى البرلمان.
ومع ذلك، لنهر التايمز أيضًا، ماضٍ مظلم. فلأكثر من أربعة قرون، تم شنق القراصنة والمجرمين المتهمين في ما كان يعرف باسم رصيف الإعدام على ضفته الشمالية. وكانت الحشود تتجمع على طول الشاطئ لمشاهدة الوفيات، أو للمشاهدة من القوارب. وعادةً ما يتم عرض الجثث على طول النهر، لتراها السفن الداخلة والخارجة من الميناء.

علاقة نهر التايمز بظواهر الانتحار وانتشار الجثث وجرائم القتل
 في الواقع أثار الاكتشاف المروع للرجلين الميتين، اللذين تم العثور عليهما في غضون 30 دقيقة، قلقًا عامًا، حيث طرح البعض السؤال التالي: كم عدد الجثث الموجودة في أطول وأشهر نهر في انجلترا؟
المثير، انه وبحسب احصاءات الشرطة البريطانية، يتم انتشال نحو 30 جثة كلّ عام من النهر. وما بين العامين 2012 و2022، جرى اكتشاف ورفع 279 جثة من نهر التايمز.
 أكثر من ذلك على مدار تاريخ انجلترا، شملت الجثث التي تم العثور عليها في نهر التايمز ضحايا القتل، واصطدام القوارب، والغرق العرضي. وفي السنوات الأخيرة، أصبح الانتحار السبب الأكثر شيوعًا للغرق في النهر واضحى المد والجزر في نهر التايمز الآن “منطقة خطر” راسخة في العاصمة.
وفي حين ساعدت التكنولوجيا الحديثة في التعرف على العديد من الجثث باستخدام الحمض النووي، فقد أنتج النهر أيضًا قائمة غامضة من الضحايا مجهولي الهوية  وأسئلة حول كيفية وفاتهم.
ومن الامثلة، “سيدة نهر التايمز” سيئة السمعة، وهي امرأة كان تم انتشال جثتها في عام 1977. وعلى الرغم من مناشدات الشرطة وفنان الطب الشرعي الذي صنع صورة لما قد تبدو عليه، إلا أنها ظلت مجهولة الهوية منذ اكتشاف رفاتها لأكثر من أربعة عقود.
وبالمثل، شهد البريطانيون أيضًا واقعة “الجذع في نهر التايمز”، الذي انتشلته الشرطة من الماء بالقرب من تاور بريدج في عام 2001. وبعدها قال المحققون إن الجذع ينتمي إلى صبي إفريقي صغير أطلقوا عليه اسم “آدم”، وقد تم قطع ذراعيه وساقيه ورأسه بطريقة احترافية، ولم يتم حل القضية حتّى الآن.
 أكثر من ذلك اشتهر نهر التايمز، بأنه كان موقعًا يتمتع بصيت سيئ، لضحايا جرائم القتل لعدة قرون. ففي القرن التاسع عشر، اجتاحت العاصمة سلسلة من جرائم القتل، المعروفة باسم “جرائم قتل جذع التايمز”. ونتيجة لذلك، عثر على أجزاء مختلفة من الجسم في النهر، بما في ذلك الجذع والفخذ ووجه امرأة. ولم يتم العثور على القاتل – أو القتلة المحتملين – قط.
 المثير ان الوفيات وقعت، عندما كان مجرم يُعرف بـ”جاك السفاح” يرعب منطقة وايت تشابل في عام 1888. والمفارقة انه عُثر على رجل يشتبه في أنه “جاك”، ويدعى مونتاج جون درويت، عائمًا في نهر التايمز في نفس العام.
 إلى جانب ذلك، وجدت استراتيجية الوقاية من الغرق التي شاركتها وحدة الشرطة البحرية البريطانية في عام 2019، أن الانتحار يمثل 90 بالمائة من جميع الوفيات في نهر التايمز. ففي عام 2018، تم تسجيل 688 حالة لأشخاص هدّدوا بدخول النهر للانتحار. وتبعا لذلك حاولت فرق الاستجابة الأولية والمسؤولون الحكوميون منذ فترة طويلة معالجة هذه المشكلة.
وفي السياق ذاته، كشف أحد أعضاء وحدة الشرطة البحرية في لندن، وهي الخدمة المنقولة بالمياه والمسؤولة عن مراقبة أكثر من 40 ميلًا من النهر، لصحيفة الغارديان إن “عدد الجثث التي ننتشلها كان ثابتًا إلى حد كبير منذ حوالي 50 عامًا”، مضيفًا أن متوسط العدد سنويًا كان “حوالي 30”.
 

 ماذا عن التحديات التي تواجه عملية إنقاذ المفقودين في التايمز؟
 عمليا، إن تحديد مواقع الجثث في نهر التايمز ليس بالأمر السهل، وغالبًا ما تواجه الوحدات المتخصصة المنتشرة هناك لتحديد مكان المفقودين، مصاعب لا تعد ولا تحصى، إذ يحتوي النهر نفسه على أقسام مد وجزر وغير مدية، وفي بعض الأجزاء، يتحرك بسرعة.
علاوة على ذلك، يتم إخراج بعض الأشخاص الذين يدخلون المياه أحياء بواسطة فرق متخصصة بما في ذلك المؤسسة الوطنية الملكية لقوارب النجاة. من هنا، تم إنقاذ أو نجاة ما لا يقل عن 109 أشخاص دخلوا النهر في عام 2022، وفقًا لتقرير رسمي عن التقدم المحرز في مجال سلامة المياه.
أما الآخرون الذين يدخلون الماء دون أدوات ووسائل الامان، فلا يتم رؤيتّهم مرة أخرى. وفي بعض الأحيان تُجرف جثثهم إلى البحر، أو يُحاصرون في الأرصفة والصنادل، حيث يتم العثور على آخرين بعد أشهر أو سنوات. وقد لا يعثر عليهم مطلقا.
وتبعا لذلك، وصف محقق الشرطة السابق نيك ألدوورث نهر التايمز بأنه بيئة معادية للغاية وتتحرك باستمرار. كما أنها عميقة في بعض النقاط، خصوصًا عند جسر لندن، حيث يبلغ عمق النهر 20 مترًا (66 قدمًا).
 وختم ألدوورث قائلًا: أنت تتحدث عن نهر… يبلغ مدى المد والجزر 23 قدمًا وسرعات تصل إلى 10 أميال في الساعة. لذا لا يمكنك رؤية بوصة واحدة أمامك، والتحدي الذي تواجهه هو من أين تبدأ.

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *