العقل "القواتي": رأيي وبعدي الطوفان


لطيفة الحسيني

دعكم من السجال الحاصل حول صلاة الراهبة مايا زيادة لأهل الجنوب. مصدر كلّ هذه الهجمة الشرسة “القوات اللبنانية”. يُدشّنها أحد مسؤولي المناطق لديها، وتكرّ سُبحة التكفير. الرفض عتيق. في سجلّ أكثر ميليشيات الحرب اللبنانية دموية مُطوّلات في نبذِ الآخرين.

هل نعود الى الحرب الأهلية وحواجز القتل والطائفية؟ هل من لبنانيّ لا تحفر “القوات” ألمًا عميقًا في ذاكرته؟ كلّ من يختلف مع “القوات” يُمسي هدفًا للتصفية أو الاغتيال. من رشيد كرامي، الى آل فرنجية، الى آل شمعون، الى ضباط الجيش اللبناني (خليل كنعان وأنطوان حداد وإميل عازار)، فالمونسينيور ألبير خريش، إلى سياسيين، وحتى إلى أفراد من الجسم القواتي، وصولًا الى ضحايا حروب هذه القوات الداخلية.

أتباع مَن سُجن لتفجيره كنيسة سيدة النجاة (1994) يريدون اليوم أن ينظّروا في الخطاب المسيحي ورسالته الإنسانية والوطنية، بعيدًا عن الظروف القاسية التي يمرّ بها مهد المسيح. يُحيلنا إجماع الشخصيات المحسوبة على القوات الى سيْلٍ من الرفض مارسته أسماء بارزة في هذا الحزب.

الوزيرة السابقة مي شدياق تتربّع على عرش التصريحات التي ترفض الشركاء الآخرين في لبنان، ولا سيّما حزب الله. تستغلّ كلّ إطلالاتها الإعلامية لتردّد عبارة واحدة: “ما بيشبهونا”. المعيار في عدم وجود الشبه مع بيئة المقاومة هو لباس البحر. هذه الثقافة هي نفسها التي جعلتها ترفض البقاء في أحد مطاعم بيروت لسبب وحيد أنه لا يقدّم الكحول. تتهم شدياق دائمًا المقاومة وجمهورها بعدم تقبّل الشريك المناهض لخياراتها السياسية، وتتعامى على صراخها بوجه من لا تتفق معه سياسيًّا ودينيًّا واجتماعيًّا.

شارل جبور، الاسم الشهير الذي يتنافس مع شدياق في نسبة العداء لمنطق فريق المقاومة، وصلت به سياسة إقصاء الآخر الى الطلب ممّن يريد محاربة “إسرائيل” أن يعيش وحده وألّا يقترب الى “ماطقتنا”، فمشروعه “غريب عنّا”، حسب منطق جبور. أقصى درجات الرفض يعبّر عنه إذًا جبور كي يرتاح من “خبرية المقاومة”.

يمتدّ الخطاب الإلغائي الى النائب غياث يزبك الذي أعلن صراحة رفض موقف وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب الذي يعكس قوّة بوجه آلة القتل الاسرائيلية، وتحديدًا عندما قال “لبنان قادر على مواجهة “اسرائيل””. لم يعجبه التصريح فقرّر الإجهاز عليه ومهاجمة الوزير.

الرفض أيضًا حاضرٌ في كلام النائب زياد حواط الذي يدعو الى إقامة فيدرالية مناطقية لأنه يرفض الشيعة من المناطق الأخرى، على قاعدة أن شيعة جبيل لا يشبهون شيعة البقاع والجنوب. هكذا يعتقد وهكذا يتحدّث بلا تردّد أو انتباه لحسابات الشراكة الوطنية.

إبراهيم الصقر، مُحتكر المازوت والبنزين “القوّاتي” الانتماء، يعبّر بلا خجل أيضًا عن رفض المكوّنات الأخرى في لبنان، ويرى أن هناك ضرورة لتشريع قانون يمنع بيع أملاك المسيحي الى المسلم.

اليوم، تُدير “القوات اللبنانية” حملة شعواء على الراهبة مايا زيادة لأنها ترفع صوت الصلاة من أجل أطفال غزّة والجنوب ورجال المقاومة الذين يدافعون عن لبنان. تمارس هذه الميليشيا إرهاب الكلمة وتوعز بالتحريض على كلّ من يتضامن ويضمّ صوته الى صوت مايا. الخطّة الجليّة تُشير الى أن أيّ رأي مسيحي مُناصر للمقاومة يخرج عن العقيدة القواتية المُهادنة للعدو سيتعرّض للتهديد والوعيد، حتى لو تطلّب الأمر توتير الساحة الداخلية وتعريض راهبة في كنيسة للأذى. الأصل أن الكنيسة ليست خطًّا أحمر في العقل “القواتي” ونموذج “سيدة النجاة” ما زال حاضرًا.

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *