النص الكامل للورقة السياسية التي ألقتها نائب رئيس "التيار" للشؤون السياسية مارتين كتيلي في المؤتمر السنوي



بيروت في 14 آذار 2024
الورَقة السياسيَّة

يعقد التيار الوطني الحر مؤتمرَه هذا العام على وقع أزمةٍ وجوديةٍ يمرّ بها لبنان، تستلزم أكثر من أي وقتٍ مضى حمايتَه بمشروع يوقف الانهيار المتسارع للدولة ويواجه الأخطار الآتية من الخارج والأخطار النابعة من الداخل، خاصة أننا نتعرّض لحرب تشنّها اسرائيل وتؤدي إلى تهجير الآلاف من مواطيننا من منازلهم. ولأن الرابع عشر من آذار يرتبط بالنسبة إلينا رمزيًا بمحطةٍ مفصليةٍ من تاريخ لبنان كان عنوانها تحرير الأرض والقرار الوطني، فإن التيار الوطني الحر، المتجذّر بلبنان، لن يستسلم أمام الصعوبات وسيعمل من أجل توفير الحلول، فنحن أبناءُ هذه الارض ولن نتخلى عنها، ونحن مؤتمنون على تضحيات من سبقنا ونتطلّع لجعل ١٤ آذار هذا العام، موعداً لمجهودٍ متجدِّدٍ هدفُه حماية لبنان وحماية الوحدة الوطنية بالشراكة الفعلية والمتوازنة.

أولاً – في الخَيارات
تيارنا تيار الشراكة الفعلية

١- تاريخ التيار الوطني الحر هو تاريخ نضالٍ في سبيل الشراكة تثبيتاً للوحدة وقد دفع ثمنَ ذلك شهادةً واعتقالاً ونفياً واضطهاداً في كل مرّة تصدّى فيها لمشروع ضربِ الشراكة وتخريبِ الدولة منذ العام 1989. قاوم التيار في زمن المقاومة وصالح في زمن المصالحات وعقد التفاهمات في كل اتجاه، رغبةً منه أن يكون تيار التفاهمات. رفض عزل أي مكوّن ووقف الى جانبِ كل لبناني تعرّض للظلم.
نحن اليوم أمام دولةٍ تنهار ومن الخطأ ان نعزو فشلَها الى عاملٍ واحدٍ. فشلُها ليس فقط بسبب الفساد أو انتقاص السيادة أو ضرب الحريات، ولا نتيجةً للتهميش أو للنزوح، بل لهذه الأسباب وغيرها مجتمعةً.
لذا، واجه التيار ولا يزال، كل مشروع يقوم على ضربِ الدولةِ، وكسرِ إرادة العيشِ معًا وفرزِ الشعب وتقاسمِ الأرض محميّات ومناطق نفوذ بين الذين تقاتلوا ثم تبادلوا العفو ثم تحاصَصوا في مرحلةِ ما بعد اتفاق الطائف، فشوَّهوا جوهرَه وروحيّتَه وأضعفوا الدولة وجعلوا مشاريعهم أقوى من مشروعِها مستبيحين الميثاق والدستور والقانون والحقوق.

٢- خيارنا الدولة ومؤسساتِها، ولا خيارَ لنا سواها، ولا رهانَ عندنا إلّا على العيشِ معاً في دولةٍ تُشكّل مع الأرض والشعب ثالوث الوطن القائم على تنوّعٍ يميّزه إرثاً وثقافةً. أما الأزمةُ ففي النظام، الذي يجب تطويره، لا في وحدةِ الارض ولا في التنوعِ الثقافي والطائفي والديني ‏ولذلك، فإن التيار يرفض أي شكلٍ من اشكالِ التقسيم لأنه مدمّرٌ للبنان كدولة ووطن وهو مشروعُ انتحار للبنانيين.

٣- لا وطن من دون شعب تتساوى مكوّناتُه في الميثاق، ولا دولة من دون مواطنين يتساوون في الحقوق والواجبات وفي الإرادة الحُرّة.

٤- لا دولة من دون أرض، وأرض لبنان مساحتُها ١٠٤٥٢ كلم مربّع، هي أكبر من أن تُبلَع وأصغر من أن تُقَسّم، يمارس الشعب عليها سيادةً تامة، فلا محميّات سياسية ولا أمن بالتراضي ولا مناطق مقفلة على أي مواطن ولا إنماء من دون توازن وعدالة.

٥- لا دولة من دون إرادة العيش معاً مرتكزُها الشراكة المتوازنة في الحُكم كما في القرارات المصيرية. كذلك، فإن العيش معاً يعني العدالة للجميع والاحترام الكامل والمتبادل بين اللبنانيين لحريةِ المعتقد والتعبير والسلوك، وحقّ كل مواطن في اختيار أسلوب عَيشِه تحت سقف القانون.

باختصار، لا وحدة إلا بالشراكة.

ثانياً – في الأهداف:
تيارنا تيار الدولة لا السُّلطة
بهدف تحقيق الشراكة المتوازنة ومنذ العام 2005، عقد التيار الوطني الحر مع مروحة واسعة من الأحزاب تفاهماتٍ ثنائيةً حققت أهدافاً وطنية مرحلية، لكنّها لم تكن كافية لتحقيق الإصلاحات في الدولة.
بعد الإفقار المتعمَّد للناس بفعلِ سياساتٍ متهوّرة وممارساتٍ شاذة على مدى ثلاثين عاماً، و بعد انهيار الدولة مالياً وإدارياً، وفي ضوء المخاطر الوجودية الكبرى من حروب ونزوح ولجوء وانقسامات، تظهرُ الحاجة الحتمية الى عقدِ تفاهمٍ وطنيٍ يجمع كلَّ التفاهماتِ. تفاهمٌ بين الجميع لاستنهاض الدولة وإصلاحِ مؤسساتِها وإداراتِها وتطوير نظامِها، على قاعدة الشراكة الفعلية المتوازنة بما يحفظ العيش معاً ويصون السيادة ويحمي حقوق الناس.
١- بعد نجاحِنا بتصحيح التمثيل من خلال قانون الإنتخابات النيابية على أساس النسبية والمشاركة المتناصفة في الحكومة والإدارة وفق الدستور، هدفُنا الآن بناء دولةِ المواطنة التي يتساوى فيها الجميع كمواطنين وليس كرعايا. ولهذه الغاية قدّمنا رؤيةً وهيكلاً من مجموعة قوانين وقرارات تدفعُ باتجاه تطويرِ الدولة التي لم نَعد نراها قابلة للعيش السوي والكريم من دونِ إصلاحاتٍ تأتي في مقدّمتِها اللامركزية الإنمائية الموسّعة ومن دون صندوقٍ إئتمانيٍ لإدارة أصول الدولة وممتلكاتِها ولتثميرِها بهدف زيادة الثروة الوطنية.

٢- بعد إقرار التدقيق الجنائي وانكشاف عجز القضاء عن حماية حقوق الناس، هدفٌنا تحقيق الاستقلالية الفعلية للقضاء بجعلِه سلطةً أكثرَ فعالية في تحقيق العدالة، ولا سيّما في قضيّتي إنفجار المرفأ وسرقة الودائع.

٣- بعد الكثير من المعارك لتحقيق الإنماء المتوازن، نسعى اليوم لتحقيق اللامركزية الإنمائية الموسعة ذات القدرة المالية في الجباية والإنفاق ليتمكّن اللبنانيون من إنماء مناطقِهم وتسيير شؤونِ حياتِهم، وذلك بموازاة اعتماد المكننة والرقمنة، تسريعاً للمعاملات ومكافحةً للفساد والزبائنيّة، ولإعادة بناءِ المؤسسات والإدارات على قواعد جديدة تُنهي عصرَ إذلالِ المواطن في الدوائرِ ومؤسساتِ الدولة.

٤- بعدما صارت الحاجة كبيرة إلى تعزيزِ الدولة المدنية، هدفُنا الوصول في مرحلةٍ أولى الى قانونٍ اختياري للزواج المدني وصولًا إلى قانونٍ موحّدٍ للأحوالِ الشخصية.

٥- بعد سقوط نموذج الريع، هدفُنا استنهاض الاقتصاد المنتج، وبناء نظام مالي شفّاف يعيد الثقةَ بالمصارف، ومحاسبة من ارتكب الجريمةَ المالية، وفقًا للتدقيق الجنائي في حساباتِ مصرفِ لبنان وفي جميعِ الوزاراتِ والادارات، وبعد تنفيذِ خطةِ إنقاذٍ توزّعُ الخسائرَ بعدالة وتضمن لأصحابِ الودائعِ المشروعةِ استعادةً عادلة لحقوقِهم. كما نريدُ ماليةً عامةً للدولة تكون شفّافةً وفعّالةً تترافق مع ترشيقِ الدولةِ وترشيدِ الإنفاقِ وضبطِ التهرّبِ الجمركي. ونريد نظاماً ضرائبياً تصاعدياً حيوياً وعادلاً يساهمُ في التنميةِ المستدامةِ والمتوازنةِ ويحدُّ من التهرّب الضريبي.

٦- بعد انكشاف عجزِ الدولة عن حمايةِ المواطن، هدفُنا إقامةُ شبكة حماية اجتماعية تؤَمِّن للمواطنين وللمواطنات حقوقهم بالتعليم وبنظام تربوي جديد يفتح أمام الشباب أسواق العمل. كما تؤمِّن للجميع الرعايةَ الصحيَّة والاجتماعية العالية الجودة.

هذا هو نموذجُ الدولةِ الفاعلة والعادلة التي نتطلَّعُ إليها باستكمالِ تطبيقِ البنود الإصلاحية من وثيقةِ الوفاقِ الوطني. أمّا السلطةُ، فهي وسيلةٌ يمكن لنا أن نكون خارجَها ولكن لا يمكننا أن نكون خارج الدولة حيث نمارس واجبنَا بحمايةِ حقوقِ من نمثّل لتتحققَ الشراكة الوطنية الفعلية. هدفُنا أن يجتمعَ اللبنانيون لإعادة تكوينِ السلطةِ بدءًا بانتخابِ رئيسٍ للجمهورية يجسّد الشراكةَ والإصلاح بشخصِه وسلوكِه، ويلتزم بحمايةِ لبنان. كل ذلك إنطلاقاً من ورقةِ الأولوياتِ الرئاسية وبما يعيدُ ثقة الناس بالدولة ويمهّد لتطوير النظام وسدّ الثغرات في الدستور، خاصةً لجهة المهلِ الملزمة في النصوص وتحصين موقعِ رئاسةِ الجمهورية بتعزيز صلاحياته.

تيارنا تيار حماية لبنان
نحن على ثقة واقتناع بأن حماية لبنان تستلزم تحقيق الأهداف الآتية على قاعدة تفاهم وطني عريض:
١- إقرار إستراتيجية دفاعية تحفظ جميع عناصر قوة لبنان وتكون الدولة المرجع الأساس فيها، ولنا في ترسيم الحدود البحرية أفضل مثال، تجلّى في معادلة قانا مقابل كاريش.

٢- تحييد لبنان عن كل صراع لا مصلحة له فيه ولا قدرة له على تحمّلِ تبعاتِه أو انعكاساتِه، وذلك بمعزلٍ عن أن لبنان معنيٌّ مباشرةً بحلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية لما له من انعكاساتٍ إيجابيةٍ عليه، وله مصلحة وطنية بأن تكونَ سوريا جارةً آمنة ومستقرّة.

٣- الإلتزام بجميع القرارات والقوانين الدولية بما فيها حق العودة للاجئين الفلسطينيين واستعادة الأراضي التي تحتلُّها إسرائيل وحماية حقوق لبنان في الغاز والنفط والمياه.

٤- تنفيذ مبادرة السلام العربية التي أقرّتها قمّة بيروت وأساسُها مبدأ الأرضِ مقابلَ السلام وحق الشعب الفلسطيني في قيامِ دولتِه.

٥- تأمين عودة النازحين السوريين الى بلادهم واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لذلك ورفض أيّ خطة لإبقائهم في لبنان وتحمّل الجميع، داخلياً وخارجياً، مسؤوليتَهم في ذلك.

حمايةُ لبنان لا تقتصر على السياسة والأمن والدبلوماسية ولا على حمايةِ الحدود والأرض والمواطنين من العدوان، بل هي أيضاً حمايةُ حقوق المواطنين في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية وفرص العمل وفي اختيار نمط الحياة، دون المس بالقيم العائلية والأخلاقية، وضمانِ حريةِ المعتقد والتعبير بما في ذلك فنّاً وإبداعاً.

ثالثاً: في السلوكيات
تيَّار الناس

أكثر من أي وقتٍ مضى، نحنُ مدعوون لأن نكون تيّار الناس وعلى قدر تطلّعاتِهم، فنتواصَلُ معهم ونستمعُ إليهم وندافعُ عن حقوقِهم ونحملُ همومَهم، فالناس هم الأساس.
نحن لا ننغلق على أنفُسِنا بل نفتح ابوابَ الخياراتِ المتنوّعةِ أمامَنا سواءَ في المعارضة أو في السلطة، فمصالحُ الناس تحكمُ سلوكَنا تحت سقف الدستور والقانون. فعلنا ذلك بقبولِنا تشريعَ الضرورة، عندما اقتضتهُ حماية الناس، وأصرّينا على توقيعِ كل الوزراء وكالةً عن رئيس الجمهورية لحماية الدستور والشراكة الوطنية.
لذا نحن نجمعُ بين الواقعية والمبدئية، بين المرونة في السلوك والصلابة في المبادئ، لتحقيق تسويةٍ بنّاءة من دونِ أي مساومة. نحن الأكثر تمسُّكا بالمبدئية ولكنها لا تمنعُنا من الواقعية في حمايةِ وجودِنا وبقائِنا.
لا يأسَ في قاموسِنا ولا انكفاء. لا نريدُ صِداماً مع من نختلف معَهم في النظرة أو الأسلوب بل نريدُ حواراً، لكن الحوار لا يلغي النضال. فالحوارُ تعبيرٌ عن العقل وبه يُبنى العيشُ معاً، والنضالُ هو التعبير عن إرادةِ الحياة التي بها نتمسّكُ فَنَتشبّثُ بالحقوق ونتجذّرُ بالوطن.

رابط الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *